إمتن الله علينا منذ البدء فخلقنا بشرًا أسوياء، وأودع فينا فطرة سليمة نقية نزَّاعة إلى كل ما هو جميل، نافرة من كل ما هو قبيح، فما بالها اليوم إعوجت إعوجاجاً يكاد يذهب بالألباب؟
لقد بتنا نسمع مؤخراً عن جرائم أخلاقية يستحي القلم أن يسطر بعض فصولها، جرائم تؤكد أن كل القيم الأخلاقية والإنسانية قبل الإسلامية تحتضر عند الكثير منا، فما معنى أن يعتدي الأب على ابنه ويقتله ويرمي بجثته للكلاب تنهشها ثانياً بعد أن نهشها هو أولا؟
وما معنى أن يعاشر الرجل ابنة أخته سنيناً ويصرَّا على جريمتهما حتى بعد الإعتقال؟ وما معنى أن تخون الزوجة زوجها مع شقيقها؟.... أليست هذه حقارة يستنكف منها حتى الحيوان؟ إنه ناقوس الخطر الذي يجب أن يقرع بشدة ليوقظ الغافلين من غفلتهم، قبل أن تتفشى الظاهرة وتصبح أمراً مستباحاً كغيرها من المحرمات التي أضحت المجاهرة بها حقاً إنسانياً وباباً من أبواب حرية التعبير أو حرية الممارسة الشخصية.
صحيح أن زنا المحارم ليس أمراً حديثاً، وأن جذور الظاهرة قديمة ترجع إلى عهد الفراعنة، لكن وجودها في مجتمعات إسلامية تحكمها قيم ومبادئ محددة يجعلنا نطرح آلاف التساؤلات حول هذا الموضوع. وإذا كانت العوامل الإجتماعية والنفسية وحتى الإقتصادية تلعب دوراً مهماً في كسر حاجز التحريم الجنسي والجرأة على تفريغه في إتجاهات مرفوضة دينياً وعرفياً، فإنه في إعتقادي يبقى غياب الوزاع الديني عند الكثير من هؤلاء أهم مسبب لمثل هذه الجرائم الأخلاقية.
هل يمكن أن يجرؤ من يستحضر ربه ويعِي ضوابط العلاقات الأسرية على إنتهاك هذه القوانين الربانية التي ما سطرها الحق سبحانه إلا حماية لنا ولنسلنا؟ أكيد لا، لأن هناك حصانة ربانية منبعها روح إيمانية قادرة على كسر أية شهوة شيطانية، لكن غياب هذا الوازع يفتح الباب على مصراعيه لكل الخبائث والموبقات الشيطانية، ولو إستحضرنا بعض تعاليم ديننا حتى البسيطة لأيقنا كيف أن الله تعالى فرض لنا من القوانين ما يمكن أن يبعدنا عن مثل هذه السلوكات المشينة.
ألم يأمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الإخوة والأخوات في المضاجع، فقال صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» قال الشيخ الألباني حسن صحيح.
ألم يؤدبنا ربنا بأدب الاستئذان على الوالدين قبل الدخول عليهما وذلك في ثلاث أوقات خاصة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58-59]، أليس في هذا تدريبا منذ الصغر على حماية الصبي من أي مثيرات جنسية؟
إن الأوبة الصحيحة إلى دين الله هي صمام الأمان وطوق النجاة في ظل المثيرات الجنسية التي تحف شباب الأمة وشيبها بل وأطفالها، والحرص على بناء الأسرة بناء سليما يبتدئ بحسن الإختيار لكلا الطرفين بناء على الدين وحسن الخلق، وتربية النشء تربية إسلامية تأخذ بعين الإعتبار التربية الجنسية بشكل لا يخرج عن نطاق الأدب الإسلامي، مع الأخذ بعين الإعتبار أن مثل هذه السلوكات الشاذة لن تكون إلا وبالا على الأمة ولن تنشئ إلا جيلاً مشوهاً خلقياً كما أكدت ذلك الدراسات العلمية حيث حاول باحثان هما آدم ونيل 1967 أن يدرسا هذا الأمر من الناحية البيولوجية البحتة فقاما بتتبع حالة 18 طفلاً كانوا ثمرة زواج محارم فوجدا أن خمسة منهم قد ماتوا، وخمسة آخرين يعانون من تخلف عقلي وواحد مصاب بإنشقاق في الشفة وسقف الحلق، وهي نسبة مفزعة خاصة إذا عرفنا أن العيوب الخلقية في عامة الأسوياء حوالي 2% وأغلبها تكون عيوب غير ملحوظة.
لذلك خلص هذان الباحثان إلى أن زنا المحارم لو إنتشر فإنه يمكن أن يؤدي إلى إنتهاء الوجود البشرى من أساسه، وربما يكون هذا جزء من الحكمة من التحريم الديني والتجريم القانوني والوصم الإجتماعي
الكاتب: لطيفة أسير.
المصدر: موقع المختار الإسلامي.